التربية الدامجة تحد جديد للمدارس العمومية المغربية

التربية الدامجة تحد جديد للمدارس العمومية المغربية

 

التربية الدامجة تحد جديد للمدارس العمومية المغربية

 

كانت المدرسة و لازالت من أهم المؤسسات التي تستقطب المتعلمين و المتعلمات  بهدف تمكينهم من الكفاءات والمهارات وتطوير شخصيتهم تدريجياً بما يؤهلهم للاندماج في النسيج المجتمعي بشكل مرن، ليصبحوا فاعلين ومؤثرين في الحياة الاقتصادية والاجتماعية. ...إلخ. تعتبر المدرسة النواة الصلبة التي تساهم في التنشئة الاجتماعية إلى جانب الجهات الفاعلة الأخرى. كما تقدم البرامج التعليمية بشكل متساوٍ وعادل، مع مراعاة التنوع والاختلافات النفسية والفسيولوجية والجسدية بين جميع الطلاب، دون تمييز بين كل واحد منهم.

 

وهذا ما أخذه المشرع المغربي في الاعتبار عند تحديد الدور الذي تلعبه المدارس في إدماج التلاميذ ذوي الإعاقة. وحاولت وزارة التربية والتعليم ، لكونها المسؤولة و المشرفة على القطاع، تحقيق ذلك تحت شعار "التربية الدامجة". ويهدف هذا النظام التعليمي إلى منح هذه الفئة نفس فرص التعلم التي يتمتع بها المتعلمون الآخرون، وهو ما يكفله الدستور المغربي والاتفاقيات الدولية.

هذا ما سأتناوله في هذا المقال من خلال طرح بعض التساؤلات ومحاولة تقديم الإجابات، مثل: ماذا يعني مصطلح "التربية الدامجة"؟ ما هو السياق الذي يتناسب معه هذا الاتجاه الجديد؟ ما هي الأسس التي بني عليها ؟

 

أولاً: تعريف التربية الدامجة

1- ماذا تعني كلمة "التربية"؟

ونظرًا لدور التربية في تكوين الأسرة وتنمية الشخصية، فقد تطورت لتصبح أحد متطلبات الحياة. كما أنها تزود الإنسان بمجموعة من القيم والقدرات وتهدف إلى الارتقاء بالمجتمع من خلال الرفع من مستوى بالأفكار والمعلومات. مع تقدم التكنولوجيا وتغير الواقع، من الطبيعي أن تتغير بيانات التفاعل فيما يتعلق بفكرة التربية.

 

إن هدف التربية، بحسب هنري بيستاوزي، يجب أن يكون "تنمية جميع ملكات الطفل بطريقة كاملة ومتناغمة". وعندما نظر إليها هربرت سبنسر من حيث "إعداد الإنسان ليعيش حياة كاملة"، قام بتوسيع المفهوم. وهو تشكيل أو ترتيب جديد للخبرة، بحسب جون ديوي. التعلم هو عملية معقدة. وهو أسلوب تواصل منتظم يستخدمه شخص واحد للتفاعل مع الآخر من خلال الأقوال والأفعال. وهذا لا يمكن أن يحدث إلا إذا كان المتلقي منفتحًا على تلقي الرسائل من أجل غرس القيم الوطنية، والعيش في مجتمع واثق، ويكون منهجيًا في تفكيره، ويستمتع بمهنته، ويتعاون مع الآخرين. تهدف التربية إلى تشكيل شخصية الإنسان في سن مبكرة، و بصيغة أدق بناء شخصية الإنسان منذ الطفولة إلى مرحلة البلوغ حتى يتمكن من تحمل المسؤوليات المنوطة به.

 

وبما أن المعايير التعليمية لا تنتقل عبر علم الأحياء أو الميراث، فيجب على الشخص اكتسابها. وبدلاً من ذلك، فمن الناحية الثقافية، يمر الشاب بمراحل أثناء التكيف مع بيئته، وهو أمر معقد للغاية وقابل للتغيير. فهو يحتاج إلى اهتمام وتوجيه مستمر حتى يتمكن من إعالة نفسه والمجتمع. إن الالتحاق "بطريق الحضارة العالمية وبناء الشخصية الوطنية القادرة على قبول التنمية والمساهمة فيها بإبداعاتها هي فرصة أخرى يمنحها التعليم للشعوب والأمم".

 

ولا تزال واحدة من أهم المنظمات في المجتمع على الرغم من معانيها المختلفة. حيث تشارك فيه كافة الأطراف – الأسرة، المدرسة، المثقفون، وأدوات الاتصال المعاصرة.

ومع ذلك، ونظراً لسوء الفهم الذي يعاني منه بعض الأفراد عندما يعتقدون أن التربية  والتعليم لهما نفس المعنى والأهمية، في حين أن العكس هو الصحيح، فلا يزال من الضروري تسليط الضوء على سمة مهمة، وهي العلاقة بين التربية  والتعليم.

 

العملية التعليمية هي أحد مكونات مجموعة المهارات والقيم التي تحول الشخص فكريا وعاطفيا واجتماعيا. قد تستمر هذه المُثُل مدى الحياة أو تنتهي صلاحيتها بعد فترة زمنية محددة. كما أن السيطرة الفعالة على العوامل البيئية – النفسية والجسدية – التي تؤثر على المتعلمين أثناء التعلم أمر ضروري.

يسعى التعليم إلى تحسين قدرة الأطفال على التفكير والتعبير عن أنفسهم؛ كما أنه يساعدهم على أن يصبحوا أكثر نضجًا بدنيًا وحسيًا ويعزز التسامح والتكامل الجماعي.

التربية يندرج ضمنها التعليم، والتعليم هو عنصر من عناصر التربية. ويعتبر التعليم عنصرًا لا يمكن فصله عن التربية التي هي "أشمل وأوسع و من عملية التعليم"[11]. ولما كان هدف التعليم هو تنمية وصقل كل جانب من جوانب الشخصية الإنسانية بما يؤدي إلى إنتاج أفراد صالحين في المجتمع متعاونين ومتناغمين ويتمتعون بالمواهب والقدرات والخبرات والكفاءات الجيدة، فإن التربية "أشمل" وأوسع نطاقا من عملية التعليم".

 

2- تحديد مفهوم الدمج تربويا

في الحقل التربوي يعرف بكونه "عملية ديناميكية تتطور باستمرار وفقًا للثقافة والسياق، وتسعى إلى تمكين المجتمعات والأنظمة والهياكل لمكافحة التمييز والاحتفاء بالتنوع، وتعزيز المشاركة والتغلب على العوائق التي تحول دون التعلم والمشاركة لجميع الناس".

فقد تم تعريف التربية الدامجة من قبل اليونسكو على أن لكل شخص الحق في الحصول على تعليم عالي الجودة يلبي متطلباته الأساسية ويعزز حياته ،و تعظيم إمكانات كل شخص. وبالتالي، فإن القضاء على جميع أشكال التمييز وتعزيز الوئام الاجتماعي هما الهدفان النهائيان للتعليم الشامل الممتاز.

تعتمد هذه العملية على دمج جزء من الأشخاص ذوي الإعاقة في نظام المدارس العامة حتى يتمكنوا من تعلم القراءة والكتابة أولاً، ثم التفاعل مع زملائهم العاديين والمجتمع في مراحل لاحقة. كل هذا يحدث في بيئة شاملة لجميع الطلاب وخالية من التمييز أو التهميش أو الإقصاء، مما يسمح لهم بالتفاعل والتأثير والتأثر.

وقد ثبت من خلال عدد من الدراسات أن "الأساليب الاجتماعية والتربوية لذوي الاحتياجات الخاصة في المؤسسات النظامية أصبحت ضرورة ملحة، حيث تساعدهم على تقبل أنفسهم رغم هذه الإعاقة من خلال تنمية مشاعر الرضا والقبول والحب، والود تجاه أقرانهم وتجاه مجتمعهم".

يبقى من الضروري استقطاب الأطفال ذوي الإعاقة وتزويدهم بجميع الموارد المتاحة لهم لتمكينهم من الالتحاق بالمدرسة إلى جانب التلاميذ العاديين، دون تمييز.

وفي مختلف الأكاديميات الجهوية لقطاع التربية والتكوين والتدريس، أحدثت أقسام التعليم الجامع لتعزيز هذا الإجراء الجديد الموجه نحو فئة الأطفال ذوي الإعاقة ومتابعته وتقييمه في إطار الجهوية المتقدمة. وستقوم هذه الإدارات بالإشراف على إدارة ومتابعة تنفيذ البرنامج الوطني للتعربية الدامجة. وذلك وفق استراتيجية تفعيل ما تم تحديده، مع الأخذ في الاعتبار السياق والإطار الذي يحتضن هذا المشروع، حيث أنه من أجل خلق ثقافة التكامل التربوي لهذه الفئة، يجب احترام الخصوصية مع البقاء في متناول جميع الأطراف المعنية.

تحت إشراف وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي، تم تطوير هندسة المناهج بهدف إرساء نهج تربوي فعال لإدارة عمليات التعلم والتلقين التي تناسب الاحتياجات الفريدة لكل حالة من الأطفال ذوي الإعاقة. وذلك لضمان نجاح هذه الرؤية التربوية الجديدة. وعلى مدى ما يقرب من أربع سنوات، كانت التجارب الميدانية التي أجريت داخل الأقسام الفعلية بمثابة الأساس لهذا المشروع الهندسي، الذي ساهم فيه المهنيون والعلماء والمهتمون بالتعليم.

 


ثانياً:مميزات التربية الدامجة.

تتميز التربية الدامجة بمجموعة من السمات منها:

- تشجيع المتعلمين والمتعلمات من ذوي الإعاقة على توفير إمكانية الوصول اللازمة إلى المؤسسة وجميع مرافقها بطريقة مناسبة وسهلة الوصول.

- اعتماد آليات الملاءمة والتكيف على المستويين البيداغوجي والتعليمي، مع تنفيذها في إطار الإعاقة الواحدة وخصوصياتها وإيقاعاتها في التعلم.

- دراسة وتعديل السياسات والإجراءات المنظمة للتعليم داخل المؤسسة بما يتناسب مع احتياجات وخصوصية المتعلمين والمتعلمات من ذوي الإعاقة (التسجيل، السجلات الإدارية، الامتحانات، جداول الدراسة، الغياب، النتائج التعليمية، الأنشطة الاجتماعية والتعليمية).

- إنشاء وتنفيذ إطارعمل تعاوني داخل المؤسسة بمساعدة المعنيين من المجتمع و المحيط لضمان دمج المتعلمين والمتعلمات ذوي الإعاقة في الفصول الدراسية وتقديم الدعم التعليمي والمادي؛

- تزويد المدرسين بالتدريب المستمر في إطار برنامج التعليم المستمر لهم في مجال الدمج المدرسي.

 


ثالثاً: أسس و مرتكزات التربية الدامجة

وبالرجوع إلى دليل المعلم حول التعليم الدامج لصالح الأطفال ذوي الإعاقة، نرى أنه أقر بأربعة ركائز: الاجتماعية، والقانونية، والفلسفية، والعلمية التربوية. وهو عبارة عن تجميع للمفاهيم والمحتويات التي ابتكرها عدد من وكالات الأمم المتحدة ومنظمات المجتمع المدني ومنظمات حقوق الإنسان الوطنية والدولية.

أما فيما يتعلق بما هو اجتماعي وقانوني، فإن دمج هذه الفئة ومنحها حق التعليم على أساس منهج يراعي التكيف والمرونة هو تحقيق لمبدأ العدالة الاجتماعية ونبذ الإقصاء واحترام الاختلاف، خلق ثقافة مدنية ومجتمع يقدر التنوع.

أظهرت الدراسات أيضًا أن دمج الأطفال ذوي الاحتياجات في الأقسام العادية أقل تكلفة مقارنةً بمحاولة إنشاء أقسام ومدارس ومراكز منفصلة.

إن عملية تكامل برنامج التعليم الشامل للأطفال في حد ذاتها هي أيديولوجية عالمية تقوم على أفكار العدالة والمساواة والأخلاق والكرامة الإنسانية. إنها عقلية متفائلة تبني الثقة بالنفس لدى هؤلاء التلاميذ بينما تلهمهم على بذل الجهد والتفاعل مع الآخرين والتطلع إلى أن يكونوا مثلهم.

بالإضافة إلى ذلك، تم استخدام البيانات التربوية العلمية في هذه التعليمات. يعتبر أساس النجاح هو وساطة التعليم الذي يتم الحصول عليه عن طريق التعلم. يحتاج الطفل المندمج إلى وساطة اجتماعية تتمثل في الأسرة وزملاء الدراسة؛ هذه الوساطة ليست فقط للمدرسين.

ومن المهم الإشارة إلى مسألة أساسية تتعلق بالتصوير الاجتماعي للإعاقة في بعض الثقافات، وهو ما يشكل عائقاً أمام نجاح هذا المشروع وتفعيله. والتي يجب أن تعدل وتقيم المعلومات والأنشطة، كما تغير تلك النظرة المتشائمة.

 

المصادر ة المراجع:

ـ التربیة الدامجة لفائدة الأطفال في وضعیة إعاقة دلیل المدرسین، إعداد وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني  والتعليم العالي والبحث العلمي، مدیریة المناهج، المغرب، 2019 م.

ـ دمج ذوي الاحتياجات الخاصة في التعليم العام لمحمد صادق إسماعيل

ـ التربية ومشكلات المجتمع في عصر العولمة لأيوب دخل الله ، دار الكتب العلمية، بيروت. ط 1، 2015م

ـ التخطيط التربوي واعتباراته الثقافية والاجتماعية والاقتصادية لأمل لطفي أبو طاحون.